الدكتور غانم السعيد يكتب: الأذان بين جهالة المُسَفِّهِينَ ، وجهامة المُتَنَطِّعِينَ
متابعة محمد الزهيرى
أصبح الأذان كغيره من شعائر المسلمين موضع طعن واستخفاف من كثير من الناس ، وبعضهم يطعن لجهل منه وسفاهة لعدم تقديره لمنزلة هذه الشعيرة بصفتها إعلانا وإعلاما عن أهم فريضة من فرائض الإسلام ألا وهي ( الصلاة ) . وبعضهم يطعن ركوبا للموجة حتى بجد له موضع قدم في وسائل الإعلام التي أصبح هم الكثيرين منها استضافة كل صاحب رأي شاذ وجرأة في مهاجمة الإسلام وكل من له علاقة به.
وبعضهم يطعن عن خبث طوية وحقد دفين على الإسلام والمسلمين .
وآخر ما تعرض له الإسلام من هجوم في الآونة الأخيرة جاء على إحدى القنوات الفضائية وكان على لسان شخصية تدعي أن لها حيثيتها وشهرتها الإبداعية والفنية .
وكان الأذان من ضمن الشعائر التي هاجمتها بعنف وضراوة فوسمت أصوات المؤذنين ب( الجعير ) ، والجعير لمن لا يعرف كلمة تعني في العامية: الصوت العالي المرتفع على غير أساس، وغالبا ما تطلق عند العامة على صوت البقر والجاموس الذي يصدر بغير سبب ، وهو طبعا وصف لا يليق لمن تدعي التحضر والرقي وترى في نفسها أنها فنانة مبدعة إلا إذا كانت ترى أن فنها وإبداعها موجه إلى أصحاب ( الجعير ) .
وقد بالَغَتْ في اتهامها إلى درجة أنها رأت أن الأذان يتسبب في إيذاء السائحين ويجعلهم يرفضون المجيء إلى مصر ، فأدخلت الآذان والمؤذنين في قضية أمن قومي وجعلتهم سببا من أسباب تدهور الحالة الاقتصادية في مصر لتدغدغ بكل خبث ودهاء مشاعر المسؤولين لكي ينتبهوا إلى أحد الأخطار التي تراها محدقة بالوطن ، وكأن هذه الفنانة لا تعلم أن بعض الدول التي يعتمد اقتصادها كثيرا على مدخلات السياحة هي دول إسلامية تجاهر بالأذان في اليوم خمس مرات كالمغرب وتونس والجزائر وغيرهم ، بل أن صوت الأذان في بعض هذه الدول كان سببا في دخول كثير من هؤلاء السياح إلى الإسلام ، فالصحف والمجلات كتبت منذ مدة عن تلك السيدة اليهودية التي قتل زوجها في حادثة أبراج نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر ، فكانت تُكِنُّ كراهية شديدة للإسلام والمسلمين ، ولكن إرادة الله ساقتها إلى الإعجاب برجل أمريكي مسلم من أصول مغربية فتزوجته وبقيت على دينها حتى جاءت أول سَفْرة لها مع زوجها إلى بلده الأصلي المغرب ، وفي مطار الرباط سمعت صوتا عاليا ولكنه كان نديا طريا طليا فانجذبت إليه بشدة، فسألت زوجها عنه فقال لها: هذا أذان المسلمين عند كل صلاة وهو يعلن الآن عن صلاة المغرب، فطلبت منه أن يشرح لها مضمون عباراته مع صوت المؤذن فلما شرح لها أخذتها الدهشة من المعاني كما أخذها صوت المؤذن ، وفي الطريق إلى البلدة سمعت صوت المؤذن بالعشاء فاستوقفت السيارة لتستمع إلىه مرة أخرى، وبدت عليها علامات التأثر والانفعال الشديدين ، ولما وصلا إلى بيت الأهل كان الفجر قد حان وقته ، فلما استمعت للأذان للمرة الثالثة أخذتها العِبْرَة والعَبْرَة ثم رأت الرجال من حولها قد ذهبوا إلى المسجد والنساء قد نهضن للصلاة وهي في دهشة لهذه الاستجابة السريعة من الجميع لهذا النداء ، فلما عاد زوجها أخبرته أنها تريد أن تعلن إسلامها ، وفعلا أسلمت بفضل ذلك الأذان الذي تسفِّه من شأنه وتحقِّر من مؤذِّنِيه بنت الإسلام.
وإن كنا نتوجه باللوم والعتب الشديد إليها على جرأتها على تسفيه مناسك الإسلام، فإنه في نفس الوقت وبذات الشدة نتوجه باللوم إلى كثير من المؤذنين في مساجدنا ، وأننا لا بد أن نعترف من أن بعضهم في صوته نشاز وبه خوار ، كما أن بعضهم فيه تنطُّع شديد حينما يرى أن الطريقة التي يؤذن بها المصريون من ابتداع الصوفية الذين يتغنون بالآذان ويترنمون به ، ويربد هؤلاء أن يفرضوا علينا طريقة تعلموها واستوردوها من بعض البلدان على أنها الطريقة الصحيحة للآذان ، وهي طريقة شاذة منفِّرة. ولا أدري من أين عرفوا أن هذه الطريقة هي التي أذَّن بها بلال ؟؟ ، ولو أنهم تمعَّنوا في قصة الأذان كما وردت في كتب السنة الصحيحة لأدركوا أن أذانهم أبعد ما يكون عن طريقة أذان بلال— رضي الله عنه — فالقصة تذكر أن الصحابي الجليل عبد الله بن زيد وهو بين النوم واليقظة سمع من يلقي عليه صيغة الأذان ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بها ، فحمد الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، وقال له : قم فعلِّمْه بلالا فإنه أندى منك صوتا . فكلمة ( أندى ) في الحديث هي الفاصلة بيننا وبين هؤلاء المتنطعين المنفرين للناس عن دين الله.
فالنداوة — كما جاءت في المعاجم — تعني مما تعني : حُسْنَ الصوت ، أي : أن الصوت لينا طريا ، و أنْدَى الشيءَ جعله نَدِيًّا، وليس أشَجًّا جافا منفِّرا. ومن شدة حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك النداوة والطراوة والطلاوة في صوت المؤذن — بصفته إعلاميا يعلن عن فريضة من أهم فرائض الإسلام — لما لم ير هذه النداوة في صوت سيدنا عبد الله بن زيد على الرغم من أنه كان أولى بالآذان وأثق به لأنه هو الذي رآه في رؤياه، ولكنه كان وقتها معتلا ، أوكل الرسول صلى الله عليه وسلم الآذان لبلال لأنه أندى صوتا منه . وهاكم نص الحديث كما جاءت به بعض الروايات. فقد روى محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: (( كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد همَّ بالبوق، وأمر بالناقوس فنحت، فأرى عبد الله بن زيد في المنام، قال: رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً، فقلت له: يا عبد الله تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: أنادي به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك؟ قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فخرج عبد الله بن زيد حتى أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بما رأى، قال: يا رسول الله رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً، فقص عليه الخبر.
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن صاحبكم قد رأى رؤيا، فاخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه، وليناد بلالٌ؛ فإنه أندى صوتاً منك))، قال: فخرجت مع بلالٍ إلى المسجد فجعلت ألقيها عليه وهو ينادي بها.
وعلى هذا فإنه يلزم على وزارة لأوقاف أن تمنع من الآذان أمثال هؤلاءالمتنطعين المنفِّربن عن دين الله، وأن يكون اختيارها للمؤذن على نفس أهمية اختيارها للإمام والداعية؛ لأن الإمام والداعية يدعوان إلى الله بعلمهما والمؤذن يدعو إلى الله بحسن صوته .
كما أنه على الأزهر أن يعيد من جديد فتح معاهد المؤذنين التي كان يلتحق بها الحاصلون على الثانوية الأزهرية والتي أغلقت منذ مدة، وأن يخضع من يريد الانتساب إليها إلى اختبارت جادة من متخصصين في الأصوات وطبقاتها؛ ليختاروا من يرونه مناسبا لهذا المعهد، وأن يكون هناك التزام من وزارة الأوقاف بتعيينهم في مساجدها حتى يكون ذلك تشجيعا لهم للالتحاق بهذه المعاهد، وبهذا يصبح الأذان مدعاة للاعتزاز والاحترام وليس سببا للهجوم على مناسك الإسلام وشعائره